ثمة سوال تدور حول الكثير من الروايات هل كانت سنة ٢٠٢٢ أسوأ وان سنة ٢٠٢٣ ستكون أكثر سوءا، سبب السوال هناك حالة تململ (كلاسيكية) لا تعبر عن كفاية عن أزمة كالتي يشهدها السودان بل يفوقها مستوي مرتفع من التكيف، وسط حالة مذهلة من التكيف لا تفسير نهائيا وحاسما لدي احد كيف حصل ذلك إنما المسألة بسيطة الأزمة تحصل لأن الاقتصاد لم يكن بإمكانه التحمل أو أنه يطلب التصحيح وهذا. التصحيح قد يحصل بطرق مختلفة اما ان يكون تصحيحا بنيويا للنموذج الاقتصادى المتبع أو يكون تصحيحا بين مكونات النموذج نفسه في الحالة الأولى يكون هناك تغيير جذرى وخطط تبدأ بوقف الأزمة وتصل الي المدى البعيد والابعد اما في الحالة الثانية فإن الأمر متروك للتوازنات التي تحكم عمل السوق وميزان القوة بين أطرافه اي من كان نصيبه النموذج بشكل سلبي سيواصل إصابته بشكل أكثر حدة أثناء وبعد التصحيح بين مكوناته.
لا يمكن القول بل التخيل في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والسيولة الأمنية أن يكون هناك مشروعا لدى أي طرف من أطراف السلطة للسير في الاتجاه الأول أو التصحيح البنيوي بالعكس كلهم منخرطون في الاتجاه الثاني حيث يكون التصحيح بين المكونات بمعني أن يتم توزيع الخسائر وفق معايير ميزان القوة السائد من دون أي تدخل فعلي للدولة في هذه العملية.
لا يشك اي احد ان المصارف في كل الدول تمثل الرافعة الرئيسية في عملية الاقتصاد ودورها مهم وهي المضدر الأساسي للتمويل وفي احداث حركة الإنتاج والاستثمار والتنمية، فما بالك عزيزي القاري في ظل اللا دولة التي تعيشها كل القطاعات في راهن السودان الكل يعلم ومدرك حجم حال المصارف السودانية المأساوية والمؤلمة وما تعانيها من أزمات بنيوية أولها عدم كفاءة الرساميل علي كل المصارف السودانية في ظل صمت البنك المركزي السوداني تجاه عدم تطبيق المعايير الدولية والمحلية والتي تجعل المصرف مصرفا حقيقيا تنال ثقة ورضي للتعامل معه، والبنك المركزي هو المؤسسة المسؤولة عن مراقبة أداء المصارف والإشراف عليها وتوجيه النظام المصرفي وفق ضوابط وقوانين وإجراءات التي تحافظ على. الاستقرار المالي والنقدي في الدولة وفي الوقت الذي يمضي الوضع سوءا في المصارف لا يتحرك البنك المركزي الا بإصدار نشرات بسياسات بالنمط القديم التقليدي في بداية العام الجديد بنشرة (كوبي بست) نشرة ( لاتسمن ولا تغني من جوع) دون أي تصحيح للسياسات ودون أي منهجية فقط تعديل تضخمي في الأرقام والنسب المئوية.
أزمة المصارف في السودان أزمة بنيوية تحتاج الي تغيير جذري فالمصارف السودانية مهزومة من حيث المنهج بعد تطبيق ما يسمي نظام (الصيرفة الإسلامية) لأن نظام الصيرفة الإسلامية قائمة على العقلية التجارية البحتة التي تعني الاقتصاد الريعي الذي يسعي فقط وراء الفائدة والربح الكبير بطريقة آمنة دون أي مخاطر وبعائد سريع ودون أي ممارسة والدخول في سياسات التمويل للقطاع الإنتاجي والتنمية المستدامة التي تحتاج بعض الوقت، واليوم يبحث القطاع الاقتصادي المخرج من هذا المأزق بضرورة تزاوج غير شرعية بين النظامين بدلا من اتخاذ القرار السليم فضلا أن القطاع المصرفي السوداني ضعيف وهش ومتهالك وضعف في الرأس مال وجمهور المتعاملين مع هذه المصارف لا تتعدي نسبتها ال ٣٪ من جملة سكان السودان. ونشير أن المصارف الأجنبية المتواجدة في السودان كل استثماراتها وتمويلها في القطاعين الخدمي والتجاري فقط ذات المردود العالي والفائدة الكبيرة ولا تساهم إطلاقا في التنمية ولا يغامر بالمشاركة في المشاريع الإنتاجية لأن الغرض من قدومها جني الأرباح وليست المشاركة في عملية التنمية والإنتاج والاستثمار في البني التحتية، ما زاد الوضع تازما هو تغييب المصارف الحكومية والمصارف المتخصصة من ساحات المصارف حيث تم القضاء عليها بسبب سياسات الإنقاذ الاقتصادية والتي مالت إلى نظام التحرير الاقتصادي واتباع سياسة النيوليبرالية المتوحشة التي تعاني اليوم( من الموت السريري والتراجع) هذه السياسة التي أنهت اقتصاد السودان استراتيجية تدمير موسسات الاقتصادية للقطاع العام بتجفيفه بدعاوي باطلة انها خسرانة وخصخصتها مما أضر بالاقتصاد السوداني والمجتمع السوداني المحدود المداخيل. وجود المصارف الحكومية والمتخصصة كانت ستلعب دورا رئيسيا في التنمية المستدامة والتمويل الزراعي والصناعي للأسف تمت القضاء عليها. إضافة إلي معضلة قصور تواجد فروع المصارف في مناطق الإنتاج الأمر الذي حرم المنتجين الحقيقيين من التمويل هذه لمحة سريعة عن الوضع في المصارف في وقت يشير فيه نشرة بنك السودان الي رفع سقف التمويل الأصغر من نسبة ١٢٪ من المحفظة الي ٢٠٪ من المحفظة في وقت لم ينفذ المصارف تطبيق تمويل ١٢ ٪ من المحفظة لم أجد له أي تفسير ماذا يقصد البنك المركزي في نشرة لا تحمل اي مضمون حقيقي وفي الوقت نفسه تري المصارف السودانية أن التمويل الأصغر يشكل معضلة وفيه مخاطر عالية وتأخذ فترة طويلة من الزمن وان العائد من الأرباح مجرد أرقام ضخمة في ظل التضخم وعدم استقرار سعر الصرف. ولا يملك البنك المركز فرض عقوبات في عدم تقيد المصارف في تنفيذ سياساته تجاه منح التمويل الأصغر المحدد بنسبة مئوية من محفظة التمويل.
التمويل الأصغر سياسات وتشريعات أقرتها كثير من الدول ومنظمات الأمم المتحدة وهو يستهدف الفئات الضعيفة والفقيرة والغرض من فكرته تمويل الفقراء والأسر الناشطة اقتصاديا بتوفير معينات الإنتاج الزراعي بشقيه والصناعي والحرفي والنقل والقطاع الخدمي والتجارى وهو ينقسم الي تمويل صغير وأصغر.
التمويل الأصغر من حيث الفكرة والمغذي والهدف جيد الا انه اصبح بوابه تمر من خلالها الرأسمالية المتوحشة لاستغلال هذا التمويل لأغراض أخري خلافا لغرضه الأساسي لأن فيه ضمانات مرنة لتسهيل إجراءات منح التمويل لفئات الشرائح الضعيفة، تكمن الخطورة الان بتغول الجوكية بالدخول عبر الجمعيات التعاونية من هذا الباب، تعاني بعض المصارف التعثر بسبب التمويل الأصغر نتيجة لبعض الثغرات حيث يمنح التمويل للأفراد أو للشركاء أو المجموعات أو الجمعيات التعاونية في حين التعثر لدي الأفراد تكاد معدوما لأنه تمنح وفق ضمان مرتباتهم واجورهم لدي موسساتهم في حين أن المجموعات والجمعيات وخاصة الزراعية شكلت تعثرا ملفتا لأنها قائمة غالبا الأحيان علي مستندات غير حقيقية في كشف العضوية حتي في المشروع لأن التمويل يمنح وفق عدد العضوية لكل فرد فيها نصيبه من مبلغ التمويل والفواتير حدث ولا حرج حيث ( الجوكي) هو الضامن وهو صاحب الفاتورة إضافة إلي الضباط الثلاث الذين يقومون بتحرير شيكات السداد والجوكي يحرر شيك الضمانة، ربما يعلم كل ذلك مسؤول المخاطر بأن المستندات غير سليمة لكنها تفي بالغرض وان التمويل ذاهب لأغراض أخري يمكن للمضاربة في سوق العملات أو عمل تجاري إضافة إلي وثائق تأمين تحررها شركات التأمين واحدة للمصرف لضمان التعثر وأخري للممول بغرض حمايته من الاخطار ولكل وثيقة لهاشروطها وبنودها الخاصة التي تحميها من تحمل عبء التعثر إضافة أن نسبة الفائدة في التمويل الأصغر تفوق ال ٢٥٪ من جملة مبلغ التمويل إضافة أن سياسة أسعار التركيز للمنتجات الزراعية التي تعلنها وتقررها الدولة تودي الي تدني أسعار المنتجات الزراعية وتشكل خسارة للمنتجين فضلا عن عدم متابعة شركات ومصاريف التمويل وشركات التأمين إنفاذ مشاريع التمويل ميدانيا، علما أن ( ٣٣)مصرف و(٤٧)شركة تعمل في حقل التمويل الأصغر،
الأشكال الرئيسى الذي يواجهه المصارف في تعثر التمويل الأصغر هو هروب التمويل الي أنشطة أخرى وعليه هذا الأمر يحتاج الي معالجة جذرية بدءا من سياسات الدولة مرورا الي البنك المركزي والمصارف وصولا الي ضرورة أبعاد إدارة المخاطر من تبعتها لإدارة المصارف المعنية ليتيح لها الشفافية في اتخاذ القرار السليم في منح التمويل. وجود وحدة تابعة لإدارة المصرف المعني تجعل يديها مغلولة في تجاه اتخاذ القرار الحكيم ربما الإدارة العليا للمصرف المعني هي من سعت في غالب الأحيان لمنح التمويل للجهة المعنية لأسباب يعلمها الطرفين.
سياسات التمويل الأصغر محتاجة الي تعديل جذري لهذه السياسات والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المضمار مثل الهند وباكستان وبنغلادش وكلها ناجحة.
ففي الهند مثلا هناك مجمع ضخم تضم شركات التمويل والمصارف ومعدات التمويل والياتها ومدخلات إنتاج تختص بكل القطاعات الزراعية والصناعية والإنتاجية حتي مرحلة تسويق منتجات حصاد التمويل الأصغر وتضم كافة التخصصات ويوجد مراكز تدريب وهذا المجمع هو الذي يقوم بدراسة جدوي للمشاريع التي تحتاج التمويل والتي تقدم بها أصحابها بغرض التمويل وذلك قبل منح التمويل بغرض معرفة جدوي المشروع ومنتجاتها وضمان تسويق المنتج وحاجة المجتمع للسلع المنتجة وهنا تلعب إدارة المخاطر دورها بكل شفافية ومعرفة وحماية كل الأطراف وهنا تنجح التمويل الأصغر في تحقيق أغراضه السامية، عليه وضحت بأن المسألة تحتاج تصحيحا بنيويا للنموذج المتبع..
اترك رد