الإضراب عن العمل سلاح فعال تلجأ إليه نقابات العمال لتحقيق مطالب مشروعة ومستحقة للعمال المنضوين تحت لوائها وتعمل القيادات العمالية التي تقود هذا الإضراب على تحقيق اهدافه بعد أن تأكدت من تأييد العمال لها وإلتفافهم حولها وولاءهم لها بما يضمن إنصياعهم التام لأي أوامر تصدر إليهم في سبيل تحقيق رغباتهم ومطالبهم وغالبا ما تتحقق هذه المطالب مباشرة بعد إستخدام سلاح الإضراب فتستجيب الجهات المختصة بالتنفيذ الفوري للمطالب او بإعطاء وعود مؤكدة للإستجابة وفقا لإتفاق بشروط تمليها النقابة ليتم بموجبها رفع الإضراب عن العمل ومن المؤكد إن الإضراب يسبب خسائر متفاوتة حسب طبيعة الإضراب ونوعه ومكانه ومداه الزمني ولا تنحصر الخسائر الناتجة عنه في الماديات فقط وإنما قد تتعداها لخسائر في الأنفس والأرواح.
ولعله من غير المتصور بل ومن غير اللائق أن تدخل الشرطة في إضراب بإعتبار أن الشرطة قوة نظامية تقوم على الإنضباط ومن المؤكد أنه ستكون لهذا الإضراب نتائج كارثية وإنفلات امني غير محدود يتأثر به الكثير من المواطنين الأبرياء مهما كانت التحوطات والإستعدادات لتلافي آثاره ذلك ان مجرد الإحساس بغياب رجال الشرطة من مواقعهم وتوقفهم عن اداء واجباتهم في حد ذاته نتيجة كارثية ناهيك عن ما يمكن تصوره من انفلات امني وما يتبعه من مظاهر وسلوك إجرامي يصعب تلافيه والسيطرة عليه في ظل وضع سياسي غير مستقر وظروف إقتصادية ضاغطة وإنتشار لقوات كبيرة من المسلحين الذين لم يتم إستيعابهم ودمجهم في القوات النظامية فضلا عن أن هذا الإضراب يمكن إستثماره من أصحاب الأجندة من السياسين وغيرهم لتحقيق أهدافهم من خلال الوضع الأمني المضطرب وغير المستقر.
وبمراجعة تاريخ الشرطة السودانية نجد أن قوة بوليس الخرطوم قد نفذت إضرابا عن العمل في يونيو 1951م بقيادة عدد من ضباط الصف وعلى الرغم من محدودية الإضراب والتعامل الغليظ الذي واجهته به السلطة الإستعمارية نجد أن الإضراب حقق أهدافه وخضعت السلطة الإستعمارية لمطالب رجال البوليس وفي عهد الحكومات الوطنية لم تدخل الشرطة في إضراب عن العمل إلا في فترات قليلة متباعدة ومن الملاحظ انه وعلى قلتها كانت تتم بأوامر من قيادات شرطية ويراعي فيها بقدر الإمكان ألا تحدث إنفلاتات أمنية تفقد الشرطة السيطرة على الوضع الأمني وقد حققت هذه الإضرابات اهدافها بالإستجابة لمطالبها وفي الغالب الأعم كانت تتم الإستجابة قبل أن تدخل القوة في الإضراب.
وحتى نتفادي هذه الدعوة الصريحة لإضراب الشرطة والتي صارت جهارا نهارا وانتشرت عبر الاسافير وتناولها الصحفيون في كتاباتهم رأيت ان اتوجه بالرسائل الأتية:
الرسالة الاولي إلى قيادة الدولة بمجلسيها السيادي والوزراء انصفوا قوات الشرطة فهي عنوان لهيبة الدولة ومظهر لقوتها وسيطرتها وقد قالوا إذا أردت ان تعرف قوة الدولة فانظر إلى شرطتها اعلموا أنكم مسئولون عن امن الوطن ومواطنيه وهذا لا يتحقق إلا بوجود شرطة فاعلة لها من السلطات والصلاحيات ما يجعلها قادرة على القيام بواجباتها ثم عليكم ان تمنحوها الاستحقاقات المادية الكافية التي تجعل أفرادها قادرين على مواجهة صعاب الحياة وغلاء المعيشة وتحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء لاسرهم ومن يعولون فإستقرار الشرطي يعني إستقرار الدولة وتذكروا أيها السادة ان فاقد الشيء لا يعطيه.
الرسالة الثانية ألي قيادة الشرطة ممثلة في هيئتي الأدارة والقيادة :أنتم مسئولون أمام الله قبل أن تكونوا مسئولون أمام أي جهة عن رعيتكم من الضباط والصف والجنود واعلم انكم تبذلون جهودا جبارة للدعم و المساعدة لكل محتاج ولكل من ضاقت به ظروف الحياة ولكن تقف مواردكم وامكاناتكم عاجزة عن تلبية كل الاحتياجات في ظل هذه الأوضاع الإقتصادية السيئة وعليه فإني ادعوكم لتبني إصلاح الهيكل الراتبي لقواتكم مع قيادة الدولة ولا تدعوهم ليسلكوا طرقا غير مشروعة في عرف الشرطة مثل الإضراب عن العمل انزلوا إليهم وتحدثوا معهم واعملوا على معالجة قضاياهم وتبنوها مع قيادة الدولة ولا تنتظروهم حتى يضربوا عن العمل لتقوموا بمحاسبتهم فهم ابناؤكم وقوتكم وسواعدكم الذين تقع على عاتقكم حمايتهم حتى من أنفسهم.
الرسالة الثالثة : إلى قادة الشرطة السابقين فأنتم اصلب العناصر امسكتم بدفة الشرطة في ظل ظروف وأوضاع معقدة مرت بها بلادنا في تاريخها الطويل وعركتكم التجارب وقدتم السفينة في أحلك الظروف وظلت الشرطة بقيادتكم فخر الوطن والمواطن لذلك فإني ادعوكم للتدخل حتى تتجاوز الشرطة هذه المحنة ولا شك في انكم تملكون الحلول والوسائل لتجاوزها.
الرسالة الرابعة :
الي الإخوة والزملاء والأبناء من الضباط والصف والجنود إعلموا أنكم الأن تعملون في ظل ظروف أمنية معقدة تتمثل في الفهم الخاطئ للحرية والديمقراطية والذي ينتج عنه سلوك غير مشروع يتمثل في إغلاق الطرق واحتجاز المارة والتعدي على ممتلكات المواطنين وكذلك انتشار لحركات مسلحة داخل ولاية الخرطوم وبوادر لانفلات أمني ولذلك فإن غياب الشرطة من المشهد سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه ؛ ولذلك ما عليكم الا الصبر والتضحية في سبيل أن ينعم المواطن المغلوب على أمره بالأمن والطمأنينة؛ فهذا هو قدركم وعليكم الا تفكروا لحظة في سلاح الإضراب او التوقف عن القيام بعملكم الذي لا تستطيع اي جهة أن تقوم به نيابة عنكم فلا بديل للشرطة الا الشرطة.