
تقرير _ عزة برس
يشهد السودان في السنوات الأخيرة تحولاً متسارعاً نحو الرقمنة في شتى القطاعات، وعلى رأسها القطاع المصرفي، الذي يُعدّ المحرك الأساسي لأي عملية تنمية اقتصادية شاملة. وقد اتخذت المصارف السودانية خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، مستفيدة من التطور التكنولوجي والانتشار الواسع لاستخدام تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول.
ويأتي بنك الخرطوم في مقدمة المؤسسات المالية التي تبنّت التحول الرقمي بشكل استراتيجي، عبر إطلاق سلسلة من الخدمات الإلكترونية التي تهدف إلى تسهيل المعاملات المصرفية وتعزيز الشمول المالي.
“إيصالي”.. نقلة جديدة في سداد الرسوم الحكومية
مؤخراً، أعلن بنك الخرطوم عن إطلاق خدمة جديدة تحمل اسم “إيصالي”، وهي منصة مبتكرة تتيح للمواطنين سداد الرسوم الحكومية إلكترونياً خلال ثوانٍ معدودة عبر تطبيق “بنكك” أو من خلال فروع البنك المنتشرة في أنحاء البلاد.
وتُصدر الخدمة إيصالاً إلكترونياً رسمياً فور إتمام العملية، مما يقلل من الأخطاء البشرية ويضمن توثيق المعاملات الحكومية بدقة وأمان.
وأوضح البنك أن “إيصالي” تأتي ضمن جهوده لتقليل الاعتماد على الطرق التقليدية في إنجاز المعاملات الحكومية، وتوفير الراحة والسرعة للمواطنين، فضلاً عن دعم رؤية الدولة نحو التحول الرقمي الكامل.
فتح الحساب إلكترونياً.. خطوة نحو شمول مالي أوسع
في خطوة نوعية أخرى، أتاح بنك الخرطوم إمكانية فتح الحسابات البنكية إلكترونياً دون الحاجة لزيارة الفروع، وهي خدمة متاحة للسودانيين داخل وخارج البلاد، مما يجعل البنك أكثر قرباً من عملائه، ويمنح المغتربين وسيلة آمنة وسهلة للتعامل المالي مع الداخل.
كما يقدم تطبيق “بنكك” مجموعة متكاملة من الخدمات، تشمل تحويل الأموال، دفع الفواتير، متابعة الرصيد، وسداد الرسوم الحكومية، ما يجعله أحد أبرز نماذج الخدمات المصرفية الرقمية في السودان والمنطقة.
التحول الرقمي.. ضرورة لا رفاهية
يرى خبراء الاقتصاد أن التحول الرقمي في الجهاز المصرفي لم يعد خياراً، بل ضرورة حتمية لتطوير بيئة المال والأعمال في البلاد.
فهو يحقق عدة فوائد أبرزها:
تحسين تجربة العملاء بتقديم خدمات سريعة وآمنة.
رفع كفاءة الأداء عبر أتمتة العمليات وتقليل الأخطاء البشرية.
تعزيز الأمان المالي باستخدام تقنيات التشفير والتحقق من الهوية.
زيادة الشمول المالي وإدماج شرائح جديدة من المواطنين في المنظومة المصرفية.
خفض التكاليف التشغيلية عبر تقليل الاعتماد على الفروع التقليدية.
التحديات أمام الرقمنة المصرفية
ورغم المكاسب الكبيرة، إلا أن التحول الرقمي يواجه تحديات حقيقية في السودان، من أبرزها ضعف البنية التحتية التقنية، والحاجة إلى تأمين الأنظمة ضد الهجمات السيبرانية، إضافة إلى نقص التدريب والتأهيل للكوادر المصرفية.
انعكاسات التحول الرقمي على الاقتصاد الكلي
رغم محدودية الإمكانات التقنية والمالية في السودان، إلا أن التحول الرقمي — حتى في صورته الجزئية — يُمكن أن يسهم بفعالية في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
فإدخال الأنظمة الإلكترونية في المعاملات الحكومية والمصرفية يساهم في زيادة الإيرادات العامة من خلال تقليل الفاقد المالي، والحد من الفساد الإداري والتهرب الضريبي، كما يسهل متابعة حركة الأموال بصورة شفافة.
كذلك يُسهم انتشار الدفع عبر الموبايل في تشجيع النشاط التجاري الإلكتروني، خاصة بين فئات الشباب ورواد الأعمال، وهو ما يفتح مجالات جديدة للعمل ويعزز الدورة الاقتصادية.
ومع استمرار الجهود المصرفية، خاصة من قبل بنك الخرطوم، يمكن للتحول الرقمي — حتى ضمن الإمكانات الحالية — أن يشكل نقطة انطلاق نحو نظام مالي حديث يدعم التنمية المستدامة ويضع السودان على طريق النمو الاقتصادي المتوازن.
نحو شراكة وطنية للتحول الرقمي
في ضوء هذه التطورات، يصبح من الضروري أن تتبنى الدولة والقطاع الخاص نهجاً تشاركياً لدعم التحول الرقمي في الجهاز المصرفي، من خلال تحسين البنية التحتية للاتصالات، وتوفير بيئة تشريعية وتنظيمية محفزة، وتشجيع المصارف على الاستثمار في التكنولوجيا والتدريب وفقا لخبير مصرفي.
كما أن توسيع تغطية الإنترنت في الأقاليم وربط المؤسسات المالية بشبكات آمنة وسريعة يمثل خطوة أساسية نحو شمول مالي فعلي بحد قوله.
وأضاف : إن نجاح مبادرات مثل “إيصالي” لا يقف عند حدود تسهيل المعاملات فحسب، بل يمكن أن يُعيد الثقة تدريجياً بين المواطن والمؤسسات المالية، ويمهد لبناء اقتصاد رقمي حديث يسهم في استقرار السودان الاقتصادي والمالي على المدى البعيد.