– ظل السودان على مر السنوات والحقب السياسية المختلفة يعاني اوضاعا اقتصادية وازمات متلاحقة نتج عنها هجرة مطردة للعقول والكفاءات العملية والعلمية اي مايسمى ب”نزيف العقول” .. هجرة العقول او الكفاءات ظاهرة تاريخية لم ترتبط بمكان او زمان وتحدث دائما كردة فعل لافتقاد الحرية والبيئة الملائمة للابداع في ظل تقاطعات سياسية واجتماعية واقتصادية وهي بيئة تكره العلم في ممارساتها وتعمق لمفهوم الجمود الفكري والعقلي .. ونزيف العقول والادمغة الوطنية خارج الوطن له أثر واضح وخطير في نفس الوقت على تقدم الدولة لان اغلب الدول التي تعاني من هذه الظاهرة هي بلدان نامية او تعاني من مشاكل داخلية ذات ابعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية لذلك بعد مغادرة هذه الكفاءات سوف تعاني الدولة من مشاكل مستمرة ..
– صدر مؤخرا قرار بانهاء خدمة الذين تقلدوا مناصب دستورية في الحكومة السابقة من الخدمة المدنية وشمل القرار عدد من المهن والتخصصات المختلفة كالاطباء والمهندسين والاداريين والقانونيين والاقتصاديين الذين استعانت بهم في مناصب الوزراء والمعتمدين والمستشارين .. الا انها شملت قطاع مهم من الخدمة المدنية وهم اساتذة الجامعات والمعاهد العليا ..
*نص القرار:*
– انهاء خدمة الدستوريين السابقين الذين تمت اعادتهم في وظائفهم السابقة بالخدمة المدنية بعد اعفاءهم من المنصب الدستوري
*حيثيات وحقائق:*
– لم يمكث دستوري سابق في الخدمة المدنية اطلاقا بعد اعفائه من التكليف الدستوري وهناك نماذج كثيرة من العاملين بالخدمة المدنية تم تكليفهم بمناصب دستورية سواء في الحكومة الاتحادية او الولائية وعند مغادرتهم المنصب يذهبون تلقائيا الى حال سبيلهم بعد صرف استحقاقاتهم المنصوص عليها بلائحة مخصصات الدستوريين بينما ولج عدد قليل جدا منهم للوظيفة العامة بطرق مختلفة ..
*اذن من الذين استهدفهم القرار:*
– الدولة في كثير من الاحيان تستعين بعدد من الخبراء الاكاديميين واساتذة الجامعات والتكنوقراط في ادارة الشان التنفيذي والتشريعي الحكومي كوزراء ومعتمدين ومستشارين واعضاء في المجالس التشريعية الولائية او البرلمان والمجالس العليا والهيئات والصناديق الاتحادية والولائية كل حسب تخصصه ومن بينهم علماء لايشق لهم غبار في مجال التدريس الجامعي قدموا من خلال مسيرتهم العلمية عدد من البحوث والدراسات المتخصصة داخل وخارج السودان ولهم من السيرة الذاتية مايكفي ويزيد اثباتا لكفاءتهم ..
– كان من العسير ان يرضى الاستاذ الجامعي بالتنحي عن مهامه العلمية والاكاديمية لاسباب عديدة:
اولا: المكانة الاجتماعية للاستاذ الجامعي التي تضاهي منصب الوزير ..
ثانيا: جل اساتذة الجامعات عليهم طلب عالي في اسواق العمل في الخليج والجامعات الاوربية وغيرها ..
ثالثا: عدم ديمومة الوظيفة الدستورية التي لا تتجاوز في الحد الادنى الاشهر والحد الاقصى السنتين على اسوأ الفروض ..
رابعا: حوجة الجامعات والطلاب للتخصص الدقيق والخبرة التراكمية لمن هم في درجة الاستاذ والاستاذ المساعد ممن استأثروا البقاء بالسودان لظروف مختلفة منها العائلي والاجتماعي وتادية ضريبة الوطن ..
خامسا: نظام العمل والترقي في مجال التدريس الجامعي يعتمد على ساعات التدريس والاوراق العلمية والبحوث المنشورة وانقطاع الاستاذ الجامعي في المنصب الدستوري يكلفه انقطاع في ساعات التدريس يقابله تاخير في الترقي الى درجة الاستاذية “بروفسيور” ..
*لذلك ..*
– نسبة لعدم قبول كثير من اساتذة الجامعات ترك التدريس الجامعي والبحوث العلمية والتفوق الاكاديمي لاجل التكليف في المنصب الدستوري .. وترغيبا لهم للاستفادة من تاهيلهم وكفاءتهم وخبراتهم وعدم فقدهم بسبب الهجرة حيث في كثير من الاحوال لا يسقط جدول العام الدراسي للاستاذ الجامعي بعد تقلد المنصب الدستوري ويظل متقيدا بجدول محاضراته المهمة حتى وهو على المنصب الدستوري .. وكما ذكرت ترغيبا لهم اصدرت رئاسة الجمهورية انذاك قرار جمهوري يعد الاكثر تمييزا لاساتذة الجامعات يمنحهم حق الرجوع الى التدريس الجامعي بعد اعفاءهم من التكليف الدستوري وحوى القرار ان يستمر الاستاذ الجامعي في وظيفته السابقة بجامعته وامام نفس طلابه الذين يقيمون الاحتفالات والترحيب لرجوعهم لتدريس المادة الاكاديمية التي تخصصوا فيها وتفوقوا في تدريسها .. اما معظم اساتذة الجامعات الذين يكلفون بمناصب دستورية لا يفضلون الرجوع مرة اخرى للتدريس الا بعد ضغوط من ادارات الجامعات وطلابهم رغم ان القانون قد منحهم ذلك ..
*اذن من المتضرر ..*
١. الطالب الجامعي فقد خبرات علمية واكاديمية ..
٢. نزيف العقول والادمغة بالهجرة الى الخارج وهم مطلوبون بكثرة ..
٣. ضجت الصحف والمواقع الالكترونية بالاعلان عن طلب اساتذة جامعيين بخبرات وتخصصات محددة ولا حياة لمن تنادي .. فمثلا درجة البروفسيور لاتجد لها متقدما ويحل محلهم حملة درجة الدكتوراة .. وهكذا ….
٤. اساتذة الجامعات لايعرف فضلهم الا طلابهم وهذا وجد احتجاجات واسعة من عارفي الفضل من الطلاب المتفوقين اذ دائما يلتقي الطالب المتفوق والاستاذ المتميز في الفهم المتبادل ..
٥. افتقدت البلاد علماء غاية التميز العلمي والاكاديمي بسبب القرار العام الذي لم يفرق بين الصالح والطالح منهم ..
– اخيرا .. الامر يحتم على الجهات المختصة مراجعة شمول الاستاذ الجامعي في قرار انهاء خدمة الدستوريين السابقين .. فمن حيث الممارسة العملية التي اثبتت عدم توافق الاستاذ الجامعي مع المنصب الدستوري ففي الغالب يغادر الاستاذ الجانعي المنصب الدستوري مغاضبا لتقاطعات تحدث نتيحة المواجهة مع السياسيين اختلافا في الرؤى وتباينا في المواقف .. اذ لعن اساتذة الجامعات تجربتهم في المنصب الدستوري وفضلوا رجوعهم الى قاعات الدرس ..
– لمصلحة من نزيف العقول والادمغة وجامعاتنا السودانية تعاني من النقص الحاد في الاستاذ الجامعي المؤهل والخبير ..