الخبير الأمني والاستراتيجي المصري اللواء أشرف فوزي: الحرب الروسية الأوكرانية تجاوزت الميدان العسكري.. والعالم أمام تحولات كبرى في ميزان القوى الدولية

القاهرة _ عزة برس
أكد الخبير الأمني والاستراتيجي المصري اللواء أشرف فوزي أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لم تعد مجرد نزاع عسكري على الأرض، بل تحولت إلى صراع شامل على إعادة رسم خريطة النفوذ الدولي، وأن ما يجري اليوم يمثل أخطر مواجهة بين الشرق والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة.
وأضاف اللواء فوزي أن هذه الحرب، التي تجاوزت عامها الثاني ونصف، دخلت مرحلة “كسر الإرادات”، حيث تسعى موسكو لترسيخ نفوذها في شرق أوروبا ومنع تمدد حلف الناتو إلى حدودها الاستراتيجية، بينما تتمسك كييف بموقفها مدعومة من الغرب الذي يرى في استمرار المعركة اختبارًا حاسمًا لبقاء هيمنته الدولية.
وأوضح أن روسيا تمكنت من السيطرة الفعلية على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، خاصة في الشرق والجنوب، معتمدة على تكتيك “الاستنزاف الطويل” الذي يستنزف القدرات العسكرية والاقتصادية للخصم.
في المقابل، تعتمد أوكرانيا على الدرونز والهجمات غير المتناظرة لاستهداف العمق الروسي وإرباك خطوط الإمداد، بينما يظل الميدان العسكري في حالة جمود نسبي يصعب معه تحقيق نصر حاسم لأي طرف.
وأشار اللواء فوزي إلى أن الحرب أعادت حلف الناتو إلى الحياة من جديد، بعد أن كان يعاني من “موت سريري”، إذ توسع ليضم فنلندا والسويد لأول مرة منذ عقود، ما اعتبرته موسكو تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
وفي المقابل، ظهر الانقسام الأوروبي الداخلي واضحًا، بين دول تميل للتصعيد ودعم كييف بلا حدود كدول البلطيق وبولندا، وأخرى تدعو للحوار وتخشى التداعيات الاقتصادية كالمجر وسلوفاكيا.
🔹 البعد الجيوسياسي
وأكد الخبير الاستراتيجي أن الجانب الجيوسياسي للحرب أصبح هو المحرك الأساسي للصراع، إذ تحاول الولايات المتحدة تثبيت النظام الدولي الأحادي القطب، بينما تسعى روسيا ومعها الصين لإرساء نظام عالمي متعدد الأقطاب يوازن القوى ويحدّ من الهيمنة الغربية.
وقال فوزي إن الصين تتابع الموقف بدقة، مستفيدة من انشغال الغرب بالحرب لتوسيع نفوذها في آسيا وأفريقيا، بينما تتحرك قوى إقليمية أخرى – مثل تركيا وإيران والهند – لاقتناص أدوار جديدة في النظام العالمي المقبل.
وأشار إلى أن ما يجري في أوكرانيا تجاوز البعد الإقليمي وأصبح جزءًا من معركة إعادة تشكيل النظام الدولي، حيث تختبر القوى الكبرى حدود نفوذها وقدرتها على فرض إرادتها في مناطق التأثير الحيوية.
🔹 التأثيرات الاقتصادية العالمية
وأوضح اللواء فوزي أن الاقتصاد العالمي يدفع ثمن هذه الحرب بشدة، فقد تسببت في أكبر أزمة طاقة وغذاء منذ نصف قرن، وأدت إلى تضخم غير مسبوق داخل أوروبا، بينما أعادت روسيا توجيه صادراتها من النفط والغاز نحو آسيا، خاصة إلى الصين والهند، لتفادي العقوبات الغربية.
وأضاف أن أوكرانيا فقدت أكثر من 60% من إنتاجها الزراعي، ما انعكس سلبًا على أسواق القمح والذرة عالميًا، وأثر بصورة مباشرة على الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وأفريقيا.
كما شهدت الأسواق الدولية اضطرابات حادة في سلاسل الإمداد، مما أدى إلى تباطؤ النمو العالمي وتزايد الأعباء المعيشية في كثير من الدول النامية.
🔹 الرؤية المستقبلية العالمية
وفي رؤيته المستقبلية، يرى اللواء فوزي أن استمرار الحرب بهذا الشكل سيؤدي إلى تحول عميق في النظام الدولي، حيث تتراجع الهيمنة الأمريكية المطلقة لصالح توازن جديد بين الشرق والغرب.
وقال إن ملامح النظام العالمي القادم بدأت تتشكل، وستقوم على شراكات وتحالفات مرنة تتجاوز الاصطفافات التقليدية، بينما ستسعى الدول النامية، وعلى رأسها مصر والدول العربية، إلى التموضع الذكي داخل هذا النظام الجديد بما يحقق مصالحها الوطنية ويحافظ على استقرارها الأمني والاقتصادي.
وأكد أن الحل في نهاية المطاف لن يكون عسكريًا بل سياسيًا، عبر مفاوضات دولية شاملة تضع أسس سلام دائم يوازن بين المصالح الروسية والأوكرانية والغربية، ويمنع عودة الحرب في صورة جديدة.
وختم اللواء أشرف فوزي تحليله بقوله:
“كل يوم يمر دون تسوية هو نزيف جديد للعالم بأسره.
هذه الحرب لم تعد بين دولتين فقط، بل بين اتجاهين لمستقبل الإنسانية:
أحدهما يسعى للهيمنة، والآخر يطالب بالتوازن والعدالة الدولية.”











