همس الحروف .. الدبلوماسية جسر أصيل للتواصل ، وليست ساحة للتخوين بقلم : د. الباقر عبد القيوم علي

إطلعت مؤخراً على مقال تناول وجود سعادة سفير الإنسانية علي بن حسن جعفر ، سفير المملكة العربية السعودية بالخرطوم ، بلغة حملت كثيراً من الاتهام وقليلاً من الإنصاف ، فمن باب التوضيح والحرص على إبقاء العلاقات بين الدول في إطارها الطبيعي ، أجد من الواجب أن أضع بعض النقاط في نصابها الصحيح .
أولاً يجب أن نُذكر أن السفراء هم موظفون رسميون يمثلون سياسات بلدانهم ، وليسوا أفراداً يتصرفون من تلقاء أنفسهم ، ويعملون وفق تعليمات محددة من وزارات خارجياتهم ، ولا يستطيعون تجاوز هذه السياسات أبداً ، وهم تحت رقابة دقيقة من بلدانهم ، ومن ثم فإن الحديث بعبارات مفخخة مثل (إختراق) ، أو (تجاوز للخطوط) ، لا يستقيم لا منطقياً ، ولا مهنياً ، وذلك ببساطة لأن الدبلوماسية الحديثة تقوم على الانفتاح ، والتنسيق ، والتواصل ، لا على السرية والاختراق كما يذهب البعض لذلك .
من الطبيعي جداً أن تنشأ بين السفراء وبين مختلف قطاعات المجتمع علاقات إنسانية وإجتماعية ، وهذا جزء من الدبلوماسية الناعمة التي تقرب المسافات بين الشعوب وتسهم في بناء الثقة ، وهو أمر تمارسه كل السفارات في كل دول العالم و لا أرى في ذلك أمر يستدعي الإستغراب لأن الدبلوماسية الشعبية أصبحت اليوم مكملاً للدبلوماسية الرسمية ، تسير كتفاً بكتف معها في تقريب وجهات النظر وخلق مساحة للفهم المتبادل .
ولعل من المؤسف أن نرى بعض الأقلام وهي تكتب ، أحياناً بحسن نية ، أو غيرها ، فتُسرع في تأويل التواصل المجتمعي الطبيعي إلى (تدخل) وتسميه (مد نفوذ) ، وفي نفس الوقت نحن أحوج إلى لغة ناعمة تجمع ولا تفرّق ، فالصحافة الرصينة والراشدة في أصل رسالتها ، هي التي تلملم الشمل وتبحث عن نقاط الالتقاء ، وتقلل من مساحات الخلاف .
أما بخصوص ما أُثير حول مدة إقامة السفير السعودي في السودان ، فهو كلام مردود عليه بالأعراف الدبلوماسية نفسها ، ففي حالات كثيرة ، وبإتفاق الطرفين ، يتم تمديد فترة السفير إذا كانت العلاقات الثنائية في حالة استقرار وتعاون ، والسودان لديه نماذج مشرفة لذلك .
فقد أمضى الدكتور عبد الله السريع سفير دولة الكويت نحو عشر سنوات أو يزيد في السودان ، وكانت تلك السنوات من أنضج فترات العلاقات الثنائية .
وكما نفتخر جميعنا بوجود عميد الدبلوماسية العربية سعادة السفير محمد ماء العينين الذي تجاوزت سنوات خدمته في السودان تسع عشرة سنة ، وإرتبط في هذه الفترة الرائعة بوشائج قوية مع المجتمع السوداني ، نعتز بها ولا نراها إلا دليل وفاء واحترام وحب متبادل .
أما فيما يخص دور المملكة العربية السعودية تجاه السودان ، فالتأريخ القريب يشهد له قبل البعيد ، فمنذ اندلاع الأزمة السودانية ، كانت الرياض من أوائل الدول التي قدمت الدعم الإنساني ، والإغاثي ، والسياسي ، وعلاوة على ذلك الثقافي ، وإستضافت المملكة جولات الحوار ، وسعت إلى تقريب وجهات النظر من أجل مصلحة السودان واستقراره .
ولعل من الإنصاف أن نقول إن صوت السعودية ظل دائماً صوت الحكمة والاتزان طيلة هذه السنوات العجاف ، وهو ما يُجسده سعادة السفير علي بن حسن جعفر في أدائه الدبلوماسي الهادئ والعملي .
ولذلك نجد أن لغة التشكيك تزرع في النفوس الشك والريبة والتفرقة ، في وقت يحتاج فيه السودان إلى التماسك وتوحيد الصفوف .
وإذا كان لأحد من الزملاء من أصحاب القرطاس والقلم رأي أو نقد ، فليكن في إطار الموضوعية والمسؤولية ، بما يُسهم في لملمة العلاقات ، وليس في توسيع بؤر الخلاف .
ولقد علمنا ديننا الحنيف أن نزن كلماتنا قبل أن نكتبها أو ننطقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .
فمن الواجب علينا أن نقل خيراً ، وأن نكتب ما يعمق أواصر الصداقة والاحترام المتبادل بين السودان والمملكة ، فالعلاقات بين الشعوب تبنى بالتقدير المتبادل والعمل المشترك .
الله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل










