
متابعات – عزة برس
بينما ينشغل العالم بمآسي الفاشر، تعيش مدينة بارا بولاية شمال كردفان فصلاً آخر من المأساة السودانية، بعيدًا عن الأضواء وعدسات الإعلام، بعد أن تحولت خلال الأيام الماضية إلى مسرح لانتهاكات وصفتها منظمات إنسانية وحقوقية بأنها “مجزرة بحق المدنيين”.
وبحسب إفادات ميدانية وشهادات حصلت عليها “الترا سودان”، فإن قوات الدعم السريع نفذت عقب دخولها المدينة في الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري عمليات تصفية ميدانية واعتقالات ونهب واسع للممتلكات، في ما وصفه شهود بأنه “انتقام من السكان لفرحتهم بدخول الجيش إلى المدينة في وقت سابق”.
وأكد متطوع إنساني أن “المدينة الآن خارج السيطرة، الجثث في الشوارع وداخل المنازل، والجرحى بلا علاج، ولا توجد حياة في بارا”. وأشار إلى أن الاتصالات مقطوعة تمامًا بما في ذلك شبكات “ستارلينك”، مما يصعّب التأكد من الأعداد الحقيقية للضحايا.
ووفق تقديرات أولية، تجاوز عدد القتلى خمسين شخصًا، بينهم شباب ونساء، إضافة إلى أكثر من ثمانين جريحًا نُقل بعضهم إلى مدينة الأبيض. وروى أحد الناجين أن “عناصر الدعم السريع كانوا يفتشون المنازل ومعهم أشخاص من أبناء المنطقة يرشِدونهم إلى السكان، وكان القتل بلا تمييز”.
وفي تطور مأساوي، أعلن الهلال الأحمر السوداني مقتل خمسة من متطوعيه في بارا، وفقدان الاتصال بثلاثة آخرين في الفاشر، فيما نددت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بما جرى واعتبرته “انتهاكًا صارخًا للقيم الإنسانية واتفاقيات جنيف”.
من جانبها، حمّلت مجموعة محامو الطوارئ قوات الدعم السريع المسؤولية القانونية عن ما وصفته بـ”مجزرة بارا”، مؤكدة أن التحريض على القتل على أساس الهوية يمثل جريمة حرب تستوجب المساءلة الدولية، داعية إلى تدخل عاجل لحماية المدنيين.
كما أدان حزب المؤتمر السوداني بولاية شمال كردفان ما جرى في المدينة، واعتبره جريمة ضد الإنسانية، مطالبًا المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي بالتحرك العاجل وفتح تحقيق دولي شفاف لمحاسبة المتورطين.
وتكتسب بارا أهمية استراتيجية من موقعها على الطريق القومي الرابط بين الأبيض وأم درمان، وهو ما جعلها هدفًا متكررًا في سياق الصراع الدائر منذ أكثر من عامين. ومع استمرار انقطاع الاتصالات وشلل الإغاثة، يخشى مراقبون أن تلقى بارا مصير الفاشر، حيث تكررت أنماط الانتهاكات والانتقام العنيف بعد تبدل السيطرة العسكرية.
ويظل السؤال الملحّ – كما يقول أحد العاملين في المجال الإنساني – “إلى متى سيظل العالم يتفرج على المدن السودانية وهي تُباد الواحدة تلو الأخرى؟”










