الخرطوم – عزة برس
كشفت تحقيقات خاصة لـ”سودان تربيون” عن اغتيال قوات الدعم السريع مدنيين شنقاً، داخل معتقلات وغرف إعدام نصبتها بالعاصمة الخرطوم.
ولم يقف قتل الرجال والنساء والأطفال في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عند وابل الرصاص والقنابل وغيرها من الأسلحة والتعذيب فقط لتتحول الانتهاكات للقتل بالمشانق المنصوبة داخل عدد من المنازل.
وبيَّن مقطع فيديو حصلت عليه “سودان تربيون” نصب مشنقة اعدام بطريقة احترافية داخل أحد المنازل في منطقة ود البصير بأم درمان، وتركيب المقصلة على جوانب سقف إحدى غرف المنزل.
وكشف سكان بالمنطقة عادوا إليها مؤخراً وقابلتهم “سودان تربيون” عن تجهيز غرفة الإعدام داخل شقة بشارع ود البصير في وسط أم درمان القديمة التي استردها الجيش خلال شهر فبراير الفائت.
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة لجرائم إعدام وتصفية ترتكبها القوات المتقاتلة في السودان، وتنفذ إعدامات بدم بارد وتصفية عرقية في حق المدنيين بمناطق مختلفة من البلاد التي تشهد سلسلة انتهاكات فظيعة كما تؤكد ذلك تقارير دولية ومنظمات حقوقية وإنسانية.
وكشف ناشطون في الخرطوم وبحري وأم درمان، التقتهم “سودان تربيون” عن نحو 14 غرفة إعدام نصبتها قوات الدعم السريع في تلك المدن يشرف عليها ضباط يؤدون دور القضاة ويصدرون الأحكام ضد المدنيين بتهمة التعامل مع استخبارات الجيش أو رصد الاحداثيات له.
ووثق الناشط بالخرطوم بحري (ف-ك)، في حديث لـ”سودان تربيون” وجود 6 غرف إعدام للدعم السريع في منزل بشارع الانقاذ في مواجهة مصنع ويتا، وغرفتين في حي شمبات الأراضي وأخرى في حي الصافية وغرفتين في منزلين قرب معسكر المظلات بحي الهجرة.
مقصلة الموت
وفي المقابل، أكد ناشطون وسكان في أم درمان بينهم من يقطنون شارع ود البصير في حي ود نوباوي، وجود غرفة إعدام استعملتها قوات الدعم السريع خلال سيطرتها على المنطقة.
وقال (ج-ب) أحد سكان الحي، إن الغرفة تم تجهيزها عبر تثبيت عارضة فولاذية قرب السقف ووضع حامل فولاذي وسطها وربط حبل قوى به وإزالة أرضية الغرفة تماما وحفرها عميقا.
ونصبت قوات السريع غرفتين للإعدام في منطقة أمبدة حسبما أكد شخصان من المنطقة، حيث عثر على قوائم فولاذية داخل منزلين ورفات لأشخاص تم شنقهم لم يتبين وفق إفادتهم إن كانوا جنوداً أم مدنيين.
وأعدمت قوات الدعم السريع شنقاً حتى الموت عشرات الأشخاص داخل غرف في أربع أحياء بالخرطوم، حيث أكد سكان في حي الكلاكلة جنوبي الخرطوم إعدام عدد غير معروف في الكلاكلة القبة، وحي الصفا والكلاكلة المنورة.
وذكر أحد سكان حي السجانة في الخرطوم خلال مقابلة عبر الهاتف مع “سودان تربيون” وجود غرف للإعدام والتعذيب داخل منازل قرب نادي العلمين الرياضي، وتخضع تلك القوات المعتقلين للتحقيق والتعذيب وتقوم بإعدامهم، مؤكداً إعدام 6 أشخاص هناك على فترات متفاوتة.
وأكد وجود مقصلة للإعدام معدة على شجرة داخل أحد المنازل يمكن رؤيتها من الخارج يقوم الجنود الموجودين بالحي بتعديلها مرات عديدة، وإعدام الأشخاص ليلاً عليها، لكنه لم يؤكد إن كانوا جنوداً أو مدنيين.
ولفت إلى نقل المعدمين إلى جهة غير معروفة، حيث يقوم الجنود بسحب الجثث ونقلها لمكان مجهول ويعودون إلى المنزل نفسه مرة أخرى- حسب حديثه.
جرائم الحرب
واتهم تقرير لمنظمة العفو الدولية بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان، الطرفان المتحاربان، القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، بتجاهل القانون الدولي الإنساني وشن هجمات أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، كما تحدث عن إطلاق الأسلحة المتفجرة من وسط أحياء مكتظة بالسكان، مما أسفر عن مقتل 12,000 شخص خلال عام 2023.
وأكد التقرير أنّ هذا الصراع فجر أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث اضطر أكثر من 8 ملايين شخص للفرار من ديارهم. مع غياب أي مؤشرات على قرب انتهاء الصراع.
وتؤكد عضو محامي الطوارئ (مجموعة قانونية مدافعة عن حقوق الإنسان) شيماء تاج السر، لـ “سودان تربيون” أن ما يبدر من جرائم قتل وتمثيل بالجثث من طرفي النزاع يرقى لجرائم الحرب.
وأكدت أن تلك الجرائم تقع تحت طائلة القانون الدولي الإنساني وقانون النزاعات والاتفاقيات الدولية، ويعرض مرتكبيها للحساب والعقاب، الذي لن يسمحون بالإفلات منه.
ولفتت شيماء، “إلى أن ما يثير الدهشة هو إصدار أحكام من الجهتين الدعم السريع والجيش في حق أحد المواطنين بانه متعاون لدى الطرف الآخر ولذلك يجب قتله”.
ووصفت تلك الأحكام بغير القضائية، مؤكدة إنها احكام إيجازيه ميدانية تصدر وتنفذ في حق المواطن دون إعطائه حقه الدستوري في الدفاع عن نفسه.
وأكدت أن ما قامت به قوات الدعم السريع وقوات الجيش من قتل للمدنيين منذ بداية حرب 15/أبريل وحتى الآن يقع تحت طائلة القوانين الوطنية والدولية.
ونوهت إلى عمليات القتل للمدنيين العزل عبر التدوين والقذف بالطائرات والبراميل المتفجرة وغيره من الأسلحة يعد جرائم حرب معاقب عليها بالقانون الدولي الإنساني.
وتابعت “أن هذه القوات من الطرفين تفننت في قتل المدنيين وظهر ذلك في اعتقال المدنيين واستخدامهم كدروع بشرية، وشكل آخر من أشكال القتل ظهر في تعذيب المدنيين داخل المعتقلات حد الموت، التطهير العرقي”.
ودعت شيماء، الأطراف لوقف إطلاق النار الفوري، وجزمت بالتمسك بالحق في المحاسبة والعقاب وابعادهم عن السلطة.
تحقيقات داخلية
وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته الخميس الماضي، إن هجمات قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، قتلت آلاف الأشخاص على الأقل وخلّفت مئات آلاف اللاجئين من أبريل إلى نوفمبر 2023.
واتهمت في تقريرها تلك القوات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب واسعة النطاق في سياق حملة تطهير عرقي ضد إثنية المساليت وغيرهم من السكان غير العرب في الجنينة وما حولها.
في المقابل، قال عضو المجلس الاستشاري لقائد العام لقوات الدعم السريع د. ابراهيم مخير، لـ”سودان تربيون” إنهم ينفون بوضوح تورطهم في أي جرائم او انتهاكات ضد الانسانية في الجنينة او غيرها من مناطق سيطرتهم.
واتفق مخير، مع منظمة هيومن ووتش في الحاجة إلى تحرك دولي لضمان التحقيق العادل فيما جرى في منطقة الجنينة.
وأكد أن الدعم السريع كان أعلن من قبل ان كل مناطق سيطرته مفتوحة للتحقيق وعرض الحماية لبعثة تقصي الحقائق التي عينها مجلس حقوق الانسان والشهود، ومساندته لعملها.
وأضاف إن قوات الدعم السريع مستعدة للتعاون معها بكل شفافية “وهي البعثة التي كانت دعت إليها بريطانيا في أكتوبر الماضي” إلا أنّ البرهان وحكومته المختطفة وفق قوله رفضت التعاون معها بل وهددت اعضائها في بيان وزارة خارجيتهم المشهور- وفق حديثه.
وكشف مخير، عن البدء في إجراء تحقيقات داخلية فيما حدث منذ اليوم الأول، قائلا: “لا نمانع الاستفادة من الخبرات الدولية في هذا الأمر خاصة فيما يتعلق بالجوانب المرتبطة بالأجهزة التقنية والمعامل الجنائية”.
ويرى مخير، إن مؤسسة هيومن رايتس كان بإمكانها توجيه أسئلتها مباشرة للدعم السريع وأبوابها مفتوحة، مضيفاً: “نحن لا ندري إذا كانت سياسة هيومن تهدف إلى عزلنا”.
ويعتقد في الوقت نفسه، إن المعلومات التي استندت إليها المؤسسة غير دقيقة، مثل “سباحة بعض الأشخاص في نهر كجا الهادر، بعد تسعة أيام من اندلاع الحرب في أبريل وهو التوقيت الذي يكون فيه النهر بلا ماء لأن موسم امتلاء وادي كجا هو من يوليو إلى سبتمبر، وغير ذلك يكون جافا أو به برك متقطعة يسهل عبورها وليس هادراً.
سودان تربيون