رغم كل حفلات الشيطنة وسهرات الأكاذيب الحمراء، هل سألت نفسك التي بين جنبيك، كيف اجتمعت أسماء متنافرة سياسياً وعلى قطيعة أيديولوجية، خلف جيش بلادك، تشد من أزره، بصورة لم نألفها من قبل؟ خذ عندك الدكتور عبد الله علي إبراهيم، الدكتور محمد جلال هاشم، الدكتور عشاري محمود، ساندرا فاروق كدودة، ميادة قمر الدين، قصي همرور، الصادق الرزيقي، الكابتن صلاح الضي، عمرو يس، مصلح نصار الرشيدي، وأخرون من دونهم بلغ بهم الأمر حد الاستنفار.. ثمة سر في هذا التوافق المُدهش يكمن في الجيش نفسه، بكافة وحداته المختلفة، تحت لافتة لا تبلى، القوات المسلحة السودانية.
بالطبع لن تحصل على إجابة واحدة مُختصرة، وربما يذهب بك الظن أنهم شعروا بخطورة المؤامرة، أو أنهم يحبون هذه البلاد ويخافون عليها، وقد أدركوا بالفعل أنها قوية بجيشها، وأي محاولة لضربه وتفكيكه، كما فعلت ميليشيا التمرد، سوف تنتهي بنا على أسوأ مما نتخيل، مزيداً من النزوح مزيداً من الضياع وبلا وطن. ولذلك لم يجد قائد مثل أردوغان أي حرج في أن يردد تلك العبارة “قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا وهويتنا”.
وعندما تستغرق في قصة الحرب وتداعياتها، تخطفك الحيرة، كيف بدأت بمقاومة صغيرة خلف أسوار بيت الضيافة، وبعدد محدود من أبطال الحرس الرئاسي، أجهضوا أخطر مؤامرة على البلاد، كانت تسعى لاختطاف السودان لصالح أسرة مدفوعة بأهواء شيطانية، تسورت المحراب، وغدرت بالجميع، وأرادت أن تحكم فوق الجماجم والدماء، لمائة عام أو يزيد مِن طُغيان آل دقلو وعربان الشتات، ومع ذلك تعامل معها الجيش بطريقة احترافية، فلم يدمر المدينة والجسور، ولم يستهدف الأبرياء ولم يعرض الأسرى تحت الكاميرات كما يفعلون، وحدد مدى نيرانه بدقة، حتى لا تتسبب في مجازر وسط المدنيين، رغم أن هذا أبطأ حركته، وأثار الشكوك في قدرته على الحسم، لكنه التزم بمواثيق الحرب، وفقاً لما جاءت في اتفاقية جنيف وفي الإسلام، مثل ما رأينا اليوم أيضاً ذلك المشهد الإنساني الرهيب والذي قضى بتسليم ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (٣٠) طفلاً، كانت قد احتجزتهم القوات المسلحة السودانية أثناء مباشرتهم للقتال ضمن صفوف ميليشيا الدعم السريع المتمردة، على أن يقوم ممثلي المنظمة الدولية بتسليمهم إلى المجلس القومي لرعاية الطفولة تمهيداً لتسليمهم لذويهم. وبالمقابل تقوم المليشيا المُنحلة، بإطلاق الدانات والصواريخ بصورة عشوائية داخل الأحياء، مما يتسبب في سقوط الضحايا المدنيين، وتقوم بتصوير ذلك بصورة معاكسة واتهام الجيش به، رمته بدائها وانسلت، وما يحدث في الثورة والجرافة وود البخيت وفي مايو جنوب الخرطوم وبحري ودارفور فضح تلك المزاعم، وكشف عن الوجه القبيح للمليشيا التي جعلت من الأعيان المدنية ثُكنات عسكرية، ومن السكان الأبرياء دروعا بشرية، ومن أجساد النساء ساحات لمعارك جنسية، ووصل بها الأمر درجة الإبادة الجماعية ومحاولة التخلص من مكونات بعينها، وما حدث في الجنينة ليس ببعيد.
بدأت المؤامرة، كما يعلم الجميع، بمحاولة التخلص من قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وكان حميدتي يتحدث منذ صباح الغدر، بأن قواته بالقرب من البدورم، يقصد مبنى إدارة العمليات، وخلال ساعات سوف يقبض على قائد الجيش، وقد جهز كتيبة إعدام من قوات النخبة لتنفيذ المهمة التي تدربوا عليها تحت يد فاغنر، ومع ذلك فشلت خطتهم، وصمد قائد الجيش داخل أسوار القيادة وقاد المعارك بشجاعة، حتى أصبح حميدتي بكل الزخم الذي أحيط به، عبارة عن ظاهرة صوتية تعزز فرضيه هلاكه، وهرب شقيقه عبد الرحيم دقلو إلى كينيا، وجن جنون الحكّامات والسحرة، وقد أُسْقِطَ في يدهم، خروج البرهان من القيادة ليدير المعركة السياسية والدبلوماسية، حد أن الزيارات التي قام بها إلى مصر وجنوب السودان وقطر وإرتريا وتركيا، رسمت خطوط نهاية التمرد ووضعت البلاد في وجهتها الصحيحة، وقد سقط فولكر ومشروعه أيضًا، ولذلك من المهم أن يقود البرهان وفد السودان إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، فمن شأن ذلك أن يضمن حضور السودان القوي في هذه الفعالية، ويركز نحوه الأضواء، ويمنح الوفد فرصة أكبر ليشرح للعالم حقيقة ما جرى، بل يعزز ذلك شرعية الجيش والتقدير الداخلي الذي يحظى به، والحق المكفول في حماية السيادة الوطنية، ويزيل الغبار عن تلك الصورة السوداوية التي رسمها حلفاء التمرد، وكثير من الأكاذيب المصنوعة تحت أوهام الحرب الأهلية. فما جرى ليس بالأمر الهين، لست وحدي من يقول ذلك، وقد أفلح الجيش بالفعل في القضاء على محاولات اختطاف البلاد، وظل كالألف الممدود، منذ أن خطف قلب عائشة الفلاتية في كرن، عصي على الهزائم، يؤمن الظهر وينتظر منا أن لا نطعنه في الخاصرة، وأن نحترم قادته، منذ الفريق أحمد محمد الجعلي وإلى كباشي والبرهان، كما أن المعركة الأن تدور في جبهات مختلفة، منها معركة إعلامية وسياسية تنطلق من التشكيك في قيادة الجيش والحديث عن تقسيم السودان وإشاعة اليأس والإحباط بين الناس.
عزمي عبد الرازق