المقالات

هل عطبرة مدينة تقع على نهرين؟؟ بقلم: هشام عباس زكريا

* هل عطبرة مدينة تقع على نهرين؟؟ .. نهر النيل ونهر عطبرة .. لطالما سألت نفسي هذا السؤال وأنا أتجول على طرقات هذه المدينة الفائحة بعبير الحداثة والأصالة والعراقة .. ففي حي السودنة العريق المطل على النيل ترى آثار المحتل الإنجليزي في مباني فسيحة وحدائق غنَّا أكل عليها وشرب اهمال السكة الحديد لها… فتحولت الأشجار الباسقة الخضراء إلى حطام والحدائق الداخلية في المنازل إلى حظائر للحيوانات ولم تبق في هذا الحي الأنيق سوى ذكرى وملامح جمال مدفون وسط حي مكتوب في صفحات التأريخ ولكن تأبى سواعد النسيان إلا أن تمحو تلكم الصور الزاهية.
* في حي السودنة العريق بمدينة عطبرة حيث يسكن كبار موظفي السكة الحديد توجد كل مقومات مجتمع الرفاهية من منتزه وحوض سباحة وميادين تنس وقولف ونادي الأسرة وفندق ومسجد وكنيسة ومدرسة ودار للسينما ومسرح مما يعني أن المحتل الإنجليزي أراد للنخب المحتلة أن تستمتع بالسكن وسط بيئة جاذبة وساحرة.
* لقد عمدت الإدار ة الإنجليزية منع المواطنين السودانيين من المرور عبر هذا الحي إلا بإذونات خاصة وكانوا لا يدخلونه إلا للعمل كعمال في الحدائق وفي نظافة المنازل وتهيئة الملاعب الرياضية.
* بعد الإستقلال سكن هذا الحي كبار موظفي السكة الحديد الذين تأثروا بحياة الإنجليز فحافظوا على هذه البيئة ومارسوا ذات الطقوس من حيث الإهتمام بالزهور والحدائق وتهيئة ميادين الرياضة والصيانة الدورية للمنازل وظلت هذه الفئة تحتكر الإطلالة على النيل حيث إن كثيراً من المنازل تطل مباشرة على نهر النيل.
* الآن وبعد تعاقب الأزمنة تغير الحال وطالت المنازل الإهمال وهربت الخضرة من حدائق حي السودنة وأصبحت جداول المياه كأتربة الآثار القديمة تحكي عن ماضي جميل في المنطقة وحياة كانت عامرة بالجمال والأناقة والفخامة.
* إن السكة الحديد في ظل هذا الواقع يجب أن ترجع الحق لأهله في إيجاد مساحة مطلة على النيل في مدينة عطبرة التي سجنها المحتل بأسوار منازل كبار الموظفين فلا تكاد تشعر أن عطبرة مدينة تطل على نهرين.
* لن يستطع الزائر إلى مدينة عطبرة مشاهدة شواطئ النيل إلا إذا استغل طائرة يشاهد المنظر من أعلى فالشاطئ محاط بمنازل واسعة وبمؤسسات حكومية لا يوجد أدنى معنى أن تكون مطلة على النيل بينما مواطني المدينة يبحثون على الماء والخضرة وسط الجزء الشرقي الذي يعتبر بداية الصحراء الكبرى.
* إننا نقدم إقتراحاً بإزالة المباني من وزارة الصحة وحتى حوض السباحة مع الإحتفاظ بالهيكل الداخلي لتكون ملاذاً لمواطني عطبرة ينظرون عبرها للنيل ويستمتع الصغار والكبار بجمال وطنهم ويشعرون بقيمة التراب ويحتفظون بزكرياتهم وسط النخيل والشواطئ.
* إن هذا العمل يمكن أن يساهم في إعادة الصورة الذهنية عن السكة الحديد كمؤسسة راعية لبرامج التنمية في مدينة عطبرة حيث قامت الهيئة منذ نشأة المدينة في العام 1906م ببناء مستشفى المدينة والإستاد والتلفزيون والمدارس وغيرها من المباني التي تقف حتى اليوم شاهدة على عظمة السكة الحديد.
* إن مشروع منتجع السكة الحديد السياحي في المنطقة النيلية الواقعة بين وزارة الصحة وحوض السباحة يمكن أن يصبح مشروع استثماري يساهم في الدخل العام للسكة الحديد ويفجر قدرات المبدعين من أبناء الهيئة من مهندسين وعمال وفنيي جنائن ويساهم من جهة أخرى في ربط الهيئة بالجماهير في ميدان آخر يعكس مقدرة هذه الهيئة على إبتداع مؤسسات تساهم في الرفاهية تماماً كما كانت الفنادق والسينما المتجولة والمكتبات.
* نقول السكة الحديد ليست مؤسسة تخضع للربح والخسارة ولكنها منارة مجتمعية ساهمت في إرساء قيم طالما ظللنا نفاخر بها وكنت أتوقع من كلية الهندسة والتقنية بعطبرة أن تفتح قسماً خاصاً يسمى هندسة السكة الحديد لأن هذا النوع من الهندسة يجمع بين الكهرباء والمدنية والمساحة والميكانيكا وغيرها وكان يمكن أن تضيف هذا القسم وتنفرد به حيث تمتلك عطبرة كل مقومات انجاح هذه الكلية
* إن مدينة عطبرة بكل تأريخها تستحق من السكة الحديد لمسة وفاء .. وتستحق أن تُجدد لها شبابها وحيويتها .. وتستحق أن تكون عروساً وسط مدن النيل … ولا نشك أبداً أن هيئة السكة الحديد يمكن أن تتخلى عن مدينة عطبرة .. فالسكة الحديد بدون عطبرة كالماء الذي لا يروي الظمأ والأشجار التي لا ظلال وثمار لها…
* وفي ميادين العطاء نلتقي…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *