الأخبار

كلمة اليوم العالمي للمسرح كتبها هذا العام الكاتب والمخرج الأميركي بيتر سيلارز

الكاتب والمخرج الأميركي. وقد قامت بترجمتها عن الفرنسية: الدكتورة حنان قصاب..

“أيها الأصدقاء الأعزاء،
في حين يرتبط عالمنا اليوم في كل ساعة وفي كل دقيقة بتدفق لا ينقطع من الأخبار، هل لي أن أوجه الدعوة لنا جميعاً كمبدعين للدخول إلى نظرتنا نحن، وواقعنا نحن، ومنظورنا نحن للزمن وللتغيرات الملحمية، وللوعي والتفكير الملحمي، وللرؤية الملحمية؟ إننا نعيش فترة ملحمية من التاريخ البشري؛ وهذه التغيرات العميقة والهائلة التي نشعر بها في علاقات الكائنات البشرية مع ذاتها، وفي علاقات كل واحد منا مع الآخرين، كما في علاقاتنا مع العوالم غير البشرية تنحو كلها لأن تتجاوز قدرتنا على الفهم والربط والتعبير.

نحن لا نعيش حقيقة في دائرة الأخبار على مدار الساعة. نحن نعيش على حافة الزمن، والصحف ووسائل الإعلام غير مجهزة وغير قادرة أبداًعلى التعامل مع ما نمر به.

أين هي اللغة؟ وما هي الحركات والصور التي يمكن أن تسمح لنا بفهم التحولات والانزلاقات العميقة والتمزقات العنيفة التي نعيشها؟ وكيف يمكننا أن ننقل المضمون الآني لحياتنا كتجربة معاشة، وليس كمقال في الصحف؟

المسرح هو الشكل الفني للتجربة البشرية.

في عالم تغمُرُهُ الحملات الإعلامية الواسعة والتكهّنات المروّعة وتجارب محاكاة الواقع، كيف يمكننا أن نتجاوز التكرار اللانهائي للأرقام حتى نصل إلى تجريب الطابع المقدس واللامتناهي لحياة فردية، ولمنظومة بيئية خاصة، وللصداقة، ولسمة الضوء في سماء غريبة؟ لقد مرّ عامان أعتم فيهما كوفيد-19حواس الناس، وضّيق حياتهم وقطع العلاقات بينهم، ووضعنا في نقطة الصفرالغريبة من حياة تتجسد وتترابط.

ما هي البذور التي يجب أن نزرعها ونعيد زراعتها في هذه السنوات؟ وما هي الأنواع الدخيلة التي تجتاحنا ويجب أن نزيلها بشكل نهائي تماماً؟ هناك عدد كبير من الناس يعيشون على حافة الهاوية، وهناك كثير من العنف الذي يشتعل بطريقة غير منطقية وغير متوقعة. وهناك كثير من البنى القائمة التي تبدّت مجرد عوامل تخدم قسوة لا تتعب.

أين ذهبت مراسم الذكرى التي نحتفي بها؟ وما الذي يجب أن نتذكره؟ وما هي الطقوس التي تسمح لنا أخيراً بأن نتخيل من جديد، وأن نبدأ من جديد بالمشي على دروب لم نستشكف أبعادها من قبل أبداً؟

إن مسرح الرؤية الملحمية، مسرح المعنى والتعافي وإصلاح ما انكسر يحتاج إلى طقوس جديدة. نحن لا نحتاج إلى الترفيه، بل نحتاج لأن نتجمّع. نحتاج لأن نتشارك في فضاء واحد، وأن نبنى فضاءات مشتركة. نحتاج لأمكنة للإصغاء العميق وللمساواة، وأن تكون هذه الأمكنة محميةّ.

المسرح هو الذي يخلق على الأرض فضاء المساواة بين البشر وبين الآلهة وبين النباتات وبين الحيوانات، وبين نقاط المطر والدموع والتجدد. هذا الفضاء من المساواة والإصغاء العميق مضاء بجمال خفي ظل ينبض بالحياة بفضل تفاعلات عميقة ما بين الخطر والشجاعة، بين الحكمة والفعل والصبر.

في كتاب “زخرفة الزهور” يذكر بوذا عشرة أنواع من الصبر العظيم في حياة الإنسان، ومن أقوى هذه الأنواع “الصبر من أجل إدراك الأشياء كلها على أنها سراب”. والمسرح قد عرض الحياة في هذا العالم على أنها تشبه السراب. وبذلك سمح لنا دائماً بما فيه من وضوح ومن قوة انعتاق أن نتجاوز في رؤيتنا الأوهام والصلف والعمى والإنكار البشري.

إننا واثقون جداً مما نراه، ومن الطريقة التي نراه بها لدرجة صرنا معها عاجزين عن رؤية الواقع البديل والإمكانيات الجديدة والمقاربات الفريدة والعلاقات غير المرئية والخالدة… وعن الشعور بها.

إننا نعيش فترة من الانعاش العميق لأفكارنا ولحواسنا ولمخيلتنا ولتاريخنا ولمستقبلنا. وهذا العمل لا يقوم به أشخاص معزولون يتصرفون بمفردهم. إنه عمل يجب أن نقوم به معاً. والمسرح هو الدعوة لأن نقوم به معاً.

أشكركم عميق الشكر على كل ما تقومون به.
بيتر سيلارز
كاتب ومخرج أميركي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!